أيهما خير لك المال أم الصحة؟
تتوالى على ابن آدم النعمةُ تِلْوَ النعمة، والفضل تلو الفضل، والأرزاق تلو الأرزاق، ولكن قلَّ من يحمد أو يشكر.
هل جربت يوما أن تعصب عيانا غير مؤدب بقطعه قماش وتحاول أن تشاهد ماتحب من متاع الدنيا وزينتها وأشكال الحياة المختلفة ... ساعتها فقط سوف تدرك قيمة العينين اللتين وهبهما الله لك.
هل جربت يوما أن تربط يديك خلف ظهرك وتحاول أن تأكل أو تشتغل أو تقضي حاجتك.... ساعتها فقط سوف تدرك قيمة اليدين اللتين وهبها الله لك.
هل جربت يومًا أن تسد أذنك وأن تكتم فمك وتتحدث بلغة الإشارة... ساعتها فقط سوف تدرك قيمة الأذن والفم اللتين وهبهما الله لك لتسمع وتتحدث وتتذوق وتأكل.
هل جربت يومًا أن تربط قدميك وأنت ذاهب إلى العمل أو تنتقل من مكان إلى اّخر وأن يحملك أحدهم وهو يضيق بك ذرعا لأنك تمثل له عائق وعبء.
هل رأيت شخصًا فاقدا لنعمة العقل يمشي بالشارع ويتصرف تصرفات غير لائقة.... ساعتها فقط سوف تدرك نعمة العقل التي وهبها الله لك.
تقول الإحصائيات:
أن هناك سبعة وعشرين ألف مرض!، وقواميس الأمراض ما تزال تزيد وتضم أعداداً من الأمراض تكتشف كل سنة، هي إما أمراض لم تكن معروفة من قبل فعرفت الآن، أو أمراض لم تكن موجودة من قبل فأُحدِثت الآن بما يُحدِث الناس من الذنوب. فكيف نعرف قدر هذه النعمة؟...
الواحد منا يعرف نعمة الصحة بعد المرض، يعرف نعمة الغنى بعد الفقر، فيشكر الله تبارك وتعالى على العافية بعد المرض، يشكر الله تعالى على نعمة السعة في الرزق ووفاء الدين لكن بعد الضيق والعسر والفقر والفاقة، يشكر الله تبارك وتعالى على نعمة الحرية بعد تقييد الحرية، يشكر الله تبارك وتعالى على نعمة القوة بعد الضعف، هذا خطأ، (تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
ينبغي أن تشكر الله تبارك وتعالى على النعمة وهي معك قبل أن تبتلى بالفقد، قبل أن تعرف الضد، صحيح أن معرفة الأضداد تفيد وتميز... فصاحب الذهب الذي يعرف قيمة الذهب واللؤلؤ والياقوت يعلم قيمة ما عنده ولا يحتاج لمقارنته بالحجر والتراب وغير ذلك، اعرف قيمة ما وهبك الله تبارك وتعالى من نعمة الصحة والعافية.
أيهما خير لك المال أم الصحة؟ لا شك أن الصحة خير من المال، بعض الناس يغفل عن ذلك، فيطلب التجارات والأموال، ولا يبالي أكان صحيحاً أم سقيماً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يبين لنا في قوله (لا بأس بالغنى لمن اتقى والصحة خير من الغنى لمن اتقى).
إن الصحة خير من المال، ولو وضع مال الدنيا كله بجوار ألم أو وجع أو مرض لكانت الصحة والعافية والسلامة من ذلك المرض والبرء من ذلك الوجع خير من مال الدنيا أجمعه، لكن الإنسان لا يعرف قدر النعمة.
وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما: (من بات آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).
فهذا حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى ضرب مثلاً في كتابه: (إحياء علوم الدين) فقال: (تدعي أنك فقير! أتبيع نعمة البصر بعشرة آلاف درهم؟! أتبيع نعمة السمع بعشرة آلاف درهم أتبيع نعمة كذا بكذا وكذا؟).
هل من أحد يشتكي الفقر ويريد أن يكون مليونيراً، ويستبدل بنعمة البصر مليون دولار؟! من يرغب هل هناك من يستبدل بنعمة السمع مليون دولاراً؟
فإذا كانت نعمة البصر لا تستبدلها بمليون دولار ونعمة السمع لا تستبدلها بمليون دولار ونعمة كذا لا تستبدلها بكذا ونعمة كذا لا تستبدلها بكذا.. فأنت مليونير ولا تدري!.
بعد كل هذا.... أليس عندما يفقد الإنسان أي جزء من أعضاء جسمه فإذا كان معه ملايين الجنيهات فعنده استعداد أن يدفعها ثمن لتكاليف عملية زرع أعضاء.
لذلك ينبغي بعد أن عرفنا قدر هذه النعمة أن نحافظ عليها، يقولون في الحكم: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى) هذه حكمة صحيحة.
فاللهم لا تحرمْنا شكرك وحمدك، وجدِّد لنا هذه النعمةَ التي تحتاج - أي: النعمة - في تجدُّدِها إلى تجديد الشكر عليها.
اللهم اجعلنا لك شكَّارين، ذكَّارين، حامدين، وإليك منيبين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين