قصة تبكي لها الأعين و ينصهر لها الحجر رحمة و حزنا و يموت لها القلب حسرة
و رأفة، حيث تدور حول قيمة الأم و تضحياتها في سبيل إبنها الذي جزاها شرا
بدل الإحسان ...
يحكي الإبن متأسفا و نادما قصته المريرة مع أمه
فيقول أن والدته كانت إمرأة بعين واحدة، و كانت تعمل طباخة بنفس المدرسة
التي كان يتعلم فيها، و قد كان الإبن يستحي أمام أقرانه و معلميه من عاهة
أمه.
ذات يوم نادى الولد أمه و قال لها كلمات تبكي لها
العين دما من عظمة قسوة الإنسان، لقد قال لها : "أمي لما لا تموتين ؟ لقد
جعلت مني أضحوكة أمام أندادي الذين لا يكفون عن الضحك عن عينك المف.....ة"
و لكن الأم تحملت الكلام و بقيت صامتة، تظهر عليها تلك إبتسامة الحزن، و
قالت في نفسها : "هو فلذة كبدي و قرة عيني لا أملك إلا أن أسامحه فهو صغير
لا يفقه شيئا".
و تمضي الأيام و يكبر الولد الصغير و يصبح رجلا
يافعا و يسافر إلى سنغافورة حيث وقع عقد عمله هناك، و تزوج و رزقه الله
بالبنين و عاش سنوات من السعادة.
ذات يوم طرق بابه طارق و كانت
المفاجأة أن الطارقة هي أمه المسكينة التي لم تحتمل لهيب حب إبنها و هو
بعيد عنها، و لكن الإبن ظل قاسيا كعادته و قال لأمه : "لما جئت إلى منزلي ؟
لقد أفزعت أبنائي بعينك المف.....ة".
فضاقت الأرض بما رحبت على الأم المسكينة و عادت إلى بلادها و شعلة وحشها لولدها لم تنطفئ بل زادت لهيبا.
و يمر الوقت و تتفاوت الأيام و يتسلم الولد رسالة من المدرسة التي كانت
تعمل بها أمه، و ذلك في حفل للم الشمل، و اختلق كذبة انطلت على زوجته و
ادعى أنه راجع إلى وطنه لمهمة خاصة بعمله، فحضر الحفل لكن بدون الأم وحيدا
يتصارع مع الجدران، و عند إنتهائه ذهب إلى الكوخ الذي كان يعيش فيه ليس
بحثا عن أمه بل بدافع الفضول، فأخبره أحد الجيران أن العجوز التي كانت تسكن
هنا قد ماتت، لكن الإبن لم يذرف و لو دمعة واحدة، و عند ذهابه أعطاه الجار
الأمين رسالة من أمه تقول فيها كلمات كاد الحبر أن يسيل معها كالدمع :
" بني ! أنا آسفة أشد الأسف على إزعاجك و إخافة أولادك، و آسفة لأنني لم أحضر حفل لم الشمل لأنني كنت مريضة لا أبارح الفراش.
فقط أريد أن أقص لك ما حدث لعيني، تلك العين التي سببت لك الكثير من الإحراج، و أن لا أتركه لغزا يجول في خاطرك.
في أحد الأيام و أنت صغير، تعرضت لحادث ففقدت أنت عينك، و كأي أم على
الأرض لم أشأ أن أتركك بعين واحدة و أن يسخر منك أصدقائك، و بعملية جراحية
دامت يومين أعطيتك عيني، لم أندم ! بل العكس، فقد كان شرفا لي أن يرى إبني
العالم بعيني."
- أمك التي لا طالما تحبك -
فضم الإبن
الرسالة إلى صدره و بكى بكاءا حارقا و ندم في وقت لا ينفعه الندم، و تمنى
أن يعود الزمن إلى الوراء حتى يكفر عن ذنوبه و لكن هيهات هيهات.