الألوهية والربوبية
إن التمييز بين التوحيدين ليس أمرا أصيلا تجده في الأحاديث النبوية ، بل برز انطلاقا من فهم بعض المفسرين للآيات التي استظهروا إقرار المشركين بتوحيد الله في الخالقية والربوبية ، وقد نقلنا أهم تلك الآيات عند استعراض عقيدة الوهابيين ومن خلال كلماتهم .
نعم استند البعض إلى الأصل اللغوي لكلمتي الرب والإله ، فقد عدد القصيمي بعض البراهين على التفريق بين توحيد الألوهية والربوبية ، فقال : ” البرهان الأول : فرقت كتب اللغة والتفسير بين معنى كلمة الإله وبين معنى كلمة الرب ، فالإله بمعنى المعبود والرب بمعنى المالك للشيء وصاحبه ” (1) .
وما ذكره أمر ملاحظ عند مراجعة كلمات اللغويين والمفسرين ، فترى ابن فارس يقول عن أله : ” الهمزة واللام والهاء أصل واحد وهو التعبد فالإله الله تعالى ، وسمي بذلك لأنه معبود ويقال تأله الرجل إذا تعبد ” (2) ، وقال في رب : ” الراء والباء يدل على أصول ، فالأول إصلاح الشيء والقيام به ، فالرب المالك والخالق والصاحب … ، والرب المصلح للشيء والله جل ثناؤه الرب لأنه مصلح أحوال خلقه ” (3) .
وقال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ) : ” وهو ملك جميع الخلق إنسهم وجنهم وغير ذلك ، إعلاما منه بذلك من كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم أنه ملك من يعظمه ، وأن ذلك في ملكه وسلطانه تجري عليه قدرته ، وأنه أولى بالتعظيم وأحق بالتعبد له ممن يعظمه ويتعبد له من غيره من الناس ، وقوله ( إِلَهِ النَّاسِ ) معبود الناس الذي له العبادة دون كل شيء سواه ” (1) .
وقال الشيخ الطوسي : ” يأمرهم أن يستعيذوا ( بِرَبِّ النَّاسِ ) وخالقهم … ، وقوله ( إِلَهِ النَّاسِ ) معناه أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه لأنه تحق له العبادة دون غيره ” (2) .
وكذلك قال القرطبي : ” قوله تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) أي مالكهم ومصلح أمورهم … وإنما قال ( مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ) لأن في الناس ملوكا يذكر أنه ملكهم ، وفي الناس من يعبد غيره ، فذكر أنه إلههم ومعبودهم ” (3) .
فهل للمدخل اللغوي قيمة مجدية في إثبات شيء أو نفيه ؟ لنستعرض كلمات اللغويين في بيان مفردتي الرب والإله وما يرادفهما ويرتبط بهما على نحو مفصل لأن مشكلتنا العلمية مع الوهابيين تتمحور حول التوحيد في الربوبية والألوهية والشرك فيهما