فكرة
يقول الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - في ذكرياته: علينا أن نحفظ أنفسنا وأن نحفظ من استرعانا الله أمره، من أهلنا وأولادنا، فكيف أعمل على تعليم بناتي الحجاب؟ أنا لا أريد أن أجبر بنتي عليه إجبارًا، فتتخذه وهي كارهة له، ضائقة به، حتى إذا استطاعت نبذه نبذته، بل أريد أن تتخذه مقتنعة به، مطمئنة إليه، محبة له.
لما جاوزت بنتي الأولى التاسعة ومشت في طريق العاشرة، أو قبل ذلك بقليل - لقد نسيت الآن - قلت لأمها: اذهبي فاشتري لها خمارًا (إشارب) غاليًا نفيسًا، وكان الخمار العادي يباع بليرتين اثنتين، وإن ارتفع ثمنه فبثلاث، قالت: إنها صغيرة تسخر منها رفيقاتها إن غطت شعرها، ويهزأن منها، قلت: لقد قدرت هذا وفكرت فيه، فاشتري لها أغلى خمار تجدينه في السوق مهما بلغ ثمنه، فكلمتني بالهاتف من السوق وقالت: لقد وجدت خمارًا نفيسًا جدا من الحرير الخالص ولكن ثمنه أربعون ليرة، وكان هذا المبلغ يعدل يومئذ أكثر من ثلث راتبي الشهري كله، فقلت لها: اشتريه، فتعجبت وحاولت أن تثنيني عن شرائه فأصررت فلما جاءت به ولبسته البنت ذهبت به إلى المدرسة كان إعجاب التلميذات به أكثر من عجبهن منها بارتدائه، وجعلن يثنين عليه، وقد حسدها أكثرهن على امتلاكها، فاقترن اتخاذها الحجاب وهي صغيرة بهذا الإعجاب وهذا الذي رأته من الرفيقات، وذهب بعضهن في اليوم التالي فاشترين ما يقدرون عليه من أمثاله وإن لم تشتر واحدة منهن خمارًا في مثل نفاسته وارتفاع سعره.
بدأت اتخاذ الحجاب فخورة به، محبة له، لم تكره عليه، ولم تلبسه جبرًا، وإذا كان العامة يقولون الشيء الغالي ثمنه فيه، فإذا الخمار بقي على بهائه وعلى جدته حتى لبسه بعدها بعض أخواتها وهو لا يزال جديدًا فنشأن جميعًا - بحمد الله - متمسكات بالحجاب، تمسك اقتناع به، وحرص عليه.
15 وسيلة لتحبيب الفتاة في الحجاب
كثيرًا ما تشكو الأمهات من أن بناتهن قد بلغن سنًا غير صغيرة وبدأن يكبرن ومع ذلك يرفضن ارتداء الحجاب، ويشترطن لقبول ارتدائه أن يرتدينه بمواصفات لا تتفق مع الزي الشرعي.
فما هي السن المناسبة لارتداء الفتاة الحجاب؟! وكيف نحببه إليها؟!
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع مسئول عن رعيته"، والأم راعية في بيتها قائمة على تربية أولادها وبناتها، ومن كمال الرعاية الحرص على تخلق الأبناء بالأخلاق الإسلامية، والتزامهم بالعبادات والفرائض الشرعية، ومن أهم الأخلاق الإسلامية التي يجب أن تتحلى بها الفتاة خلق الحياء ويرتبط بالحشمة والوقار، وهي المعاني التي يجمعها الحجاب.
ويجب الاهتمام بتربية بناتنا على الحجاب وتدريبهن عليه تمامًا كالصلاة والصيام، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بتدريب الصغار على الصلاة قبل مرحلة التكليف بها - أي قبل البلوغ – فكان التوجيه علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبع سنين واضربوهم إذا بلغوا سن التكليف تكون الصلاة قد غرست في قلوبهم وتمكنت منهم واعتادوا عليها، وقد قاس علماء الشافعية الصوم على الصلاة، وقاس العلماء بقية العبادات على ذلك.
لذا فإن أفضل سن لتدريب الفتاة على الحجاب هو من 7 إلى10 سنوات، لأن هذه المرحلة - كما يقول علماء نفس النمو - هي مرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة؛ لأن المرحلة التالية لها تكون بداية المراهقة، وهي بداية التمرد وتكوين الشخصية، فيجب البدء في هذه المرحلة المبكرة واستثمار خصائصها بترغيب الفتاة في الحجاب بالتدريج ثم الأمر به في العاشرة.
وتكمن خطورة الانتظار لمرحلة المراهقة في أن الفتاة تبدأ التمرد، فنسمع كلمات مثل "اقنعيني أولا" أو "صديقاتي لا يرتدين الحجاب فلمَ أنا" أو "المهم طهارة القلب".. إلخ، والتكليفات الإلهية لا يؤمر بها الطفل فجأة، ولا يمكن فرض الحجاب على الفتاة مرة واحدة بلا مقدمات؛ لذا علينا أن نتبع أسلوب التدرج مع الفتاة منذ طفولتها المبكرة.
ففي عمر الثالثة إلى الخامسة نجد الطفلة تميل للتقليد، فنجدها مثلا قد أمسكت (الإيشارب) أو الخمار ووضعته على رأسها، ووقفت بجانب الأب والأم تقلد حركات الصلاة، فلننتهز هذه الفرصة في تشجيعها وتحفيزها.
وعليك أيتها الأم أن تبتسمي لها واحتضنيها وقبليها وأسمعيها كلمات الثناء، ويفضل في هذه السن تصوير الطفلة بالكاميرا وهي مرتدية الحجاب مع الاحتفاظ بهذه الصورة في ألبوم خاص.
أما في عمر الخامسة إلى السابعة فلتحرص الأم أمام ابنتها على ارتداء الحجاب الكامل أمام الضيوف وأثناء الخروج للشرفة لنشر الملابس، مع لفت نظرها بطريق غير مباشر كأن تطلب الأم من ابنتها إحضار إسدال الصلاة لها؛ لأنها ستقابل الضيوف، أو لأنها ستخرج للشرفة فترسخ لديها هذه المعاني.
وحينما تبلغ السابعة وتبدأ في التعود على الصلاة فعليك أيتها الأم أن تختاري لها حجابًا جميلا مزينًا ومنقوشًا، وأشركيها معك في اختياره، وكثير من الفتيات من تحب في هذه السن تقليد الأم تمامًا، فيمكنك شراء إسدال لها يشبه ما تلبسينه، وضعي دائما في حقيبتك (إيشاربًا) لها أثناء خروجكما معًا، حتى إذا صادفتكما صلاة في الطريق ترتدي حجابها.
واحرصي أيتها الأم على اصطحابها معك للمسجد وهي مرتدية للحجاب، وفي هذه المرحلة من العمر يبدأ تعويد البنت على عدم الاختلاط بالرجال أو مصافحتهم أو اللعب مع الصبيان؛ لتغرسي الحياء فيها، كما يجب أن تحرصي على شراء ملابس محتشمة للفتاة مع عدم تعويدها على الملابس الضيقة أو القصيرة كملابس البحر مثلا، بحجة أنها مازالت صغيرة لتعتاد على أن جسدها يجب ألا يظهر منه شيء في كل الأوقات وكل الأماكن.
أما في سن التاسعة أو العاشرة فيجب التمهيد لها بأنها أصبحت فتاة كبيرة، فيجب أن ترتدي الزي الشرعي، ومن الأفكار الجيدة عمل حفلة للفتاة (حفلة الحجاب) يقوم الوالدان فيها بدعوة بعض الأقارب والجيران والصديقات للاحتفال بارتداء الفتاة للحجاب، وهو ما يعبر عن تقدير تمسك الفتاة بتعاليم الدين.
أما إذا وصلت الفتاة للحادية أو الثانية عشرة ولم تعتد على ارتداء الحجاب وأظهرت تمردًا أو رفضًا له فيمكن للأم خاصة أن تقوم بما يلي:
1- اغرسي فيها أولا حب الله والرسول، حتى إذا تمكن منها أطاعت أوامرهما دون تردد، وقصي عليها سيرة الصحابيات والمسلمات الأوائل ومدى حرصهن على التزام أمر الله.
2- القدوة الحسنة فليس من المعقول أن تكون الأم تلبس حجاب زينة وليس للستر مثل لبس العباءة المطرزة والمحضرة وغيرهما وتكون البنت غير ذلك.
3- تعويد البنت والأطفال عمومًا على الستر في البيت، فلا نسمح لها أن تظهر عورتها أمام إخوتها بحجة أنهم ما زالوا صغارًا وغير ذلك من التصرفات.
4- احرصي على ربطها بالقرآن لتتلوه وتحفظه واجعليه رفيقها في كل وقت.
5- احرصي على مصاحبتها والرفق بها، وأشعريها بحبك وحرصك على مصلحتها.
6- تقديم الهدايا لها من المناديل والإيشاربات الجميلة، ولا بأس أن تكون ذات ألوان جميلة تحبها، مع الثناء عليها ومدحها عند ارتدائها الحجاب وتعاون الأسرة على ذلك سوف يسارع بنجاح المهمة.
7- أحيطيها بصحبة صالحة من الفتيات المحجبات حتى يشجعنها على ارتداء الحجاب.
8- علميها أن الأناقة لا تتعارض مع الحجاب أو مواصفات الزي الشرعي، وساعديها على اختيار العباءات الجميلة المطرزة، سواء كانت جاهزة أو تفصيلا مع اختيار (الإيشارب) المناسب، مع الحرص على اختيار الألوان المتناسقة مع الحذاء والحقيبة.
9- لا تعتقدي أن ابنتك سترتدي الخمار والعباءة الفضفاضة هكذا مرة واحدة بل يجب التدرج حتى في نوعية الثياب فيبدأ (بإيشارب) قصير، ثم يبدأ في الطول بالتدريج، وكذلك يمكن ارتداء التوانا غير مؤدب (بنطلون وعباءة قصيرة)، ومع الوقت تبدأ العباءة في الطول والاتساع.
10- عوديها على الحياء، وأكدي عليها ألا ترفع صوتها في الطريق أو تضحك بصوت مرتفع حتى لو كانت مع صاحباتها.
11- اتركيها ترتدي في البيت ما تشاء من أدوات الزينة والحلي بشرط ألا تقابل بها أحدًا من الرجال.
12- عوديها الاهتمام بمظهرها في المنزل وتنويع (تسريحات الشعر) واختاري معها (الإكسسوارات) و(توك) الشعر التي تتفق مع أحدث الصيحات، حتى لا تشعر أن الإسلام يدعو إلى الكبت، فإذا تشعبت من كل هذه الأشياء سهل عليها الخروج بالزي الشرعي دون أن تشعر بالحرمان.
13- اصطحبيها معك لدروس العلم، وأهديها من أشرطة العلماء التي تتحدث بأسلوب مبسط والكتيبات الصغيرة والمطويات الجذابة.
14- ناقشيها في أهمية الحجاب وفوائده التي تعود عليها، مع ضرب الأمثلة للفتيات المتبرجات اللاتي يتعرضن للمعاكسات والمضياقات لارتدائهن الملابس الضيقة أو القصيرة.
15- أكثري من الدعاء لها بالهداية.
الخاتمة..
لقد اتضح جليا أننا إذا أردنا أن يكون لنا جيل يعتمد عليه وأمة قوية في المستقبل فعلينا أن ننتبه لأبنائنا ويكون لدينا قوانين في التربية تبدأ بتغيير الآباء لذواتهم حتى يكونوا أهلا لتربية وإعداد هذا الجيل الإسلامي المنشود.
ولنعلم جميعًا أننا إذا استطعنا أن نغير أنفسنا فسيكون لذلك عظيم الأثر بمشيئة الله تعالى، وسنجني ثماره سواء في أسرنا أو مجتمعنا الذي نعيش فيه.