عذرا رمضان:
لحمد لله وبعد:
إلى قبيل سنوات معدودة كنا ننعم إلى حدٍ ما بحد لا بأس به من الأخلاق الاجتماعية الحسنة، والأنماط السلوكية المتزنة، وكان لرمضان في مجتمعنا مذاقه الخاص، فالناس بين صيام وقيام، وصلات أسرية بريئة لا تخلو من مخالفات شرعية محتملة كنتيجة حتمية للطبيعة البشرية الغير معصومة بيد أن ثورة الاتصالات والإعلام في أطوارها الأخيرة ودخول المجتمع عالم الفضائيات والشبكة العالمية أفرز ثورة أخلاقية، ونكسة سلوكية عارمة، وبشكل فاق التوقعات قياسا لقصر المدة، وطبيعة المجتمع المحافظ نوعا ما، وقد صاحب موجة الانحلال تلك تحالف غير مرئي بين متعالمين عصرانيين وعلمانيين إباحيين، فالأولون حملوا على عواتقهم مهمة تمييع الثوابت والأخلاق والقيم عبر موجة التسهيل ومطية التيسير وضمن قاعدة (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا) وفي إطار (ساعة وساعة يا حنظلة)، وتحت شعار (لنجتمع فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)، وحتى تتم المهمة بنجاح كان ولا بد من همز ولمز وتعريض وتلميح لكل القناعات السابقة، والمناهج العتيقة، والفتاوى القديمة، وأصبح المنافحون عن العقيدة السلفية والأخلاق والقيم المثالية مجرد رجال لا يؤخذ من أقوالهم بل يرد. وذهبت قواعد أصولية في مهب الريح، فقد أعيد النظر في قاعدة (سد الذرائع) وذابت قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح). وحين تختفي الأسود تظهر الثعالب!!
نبئت أن النار بعدك أوقدت *** واستبَّ بعدك يا كليبُ المجلسُ
وتحدثوا في أمر كلِّ عظيمة *** لو كنت حاضَرهم بها لم ينبسوا
وبرزت توجهات مندفعة نحو الحوار مع خصوم الأمس بدءً من علمانيين محترقين ومروراً بإباحيين موتورين وانتهاءاً بروافض حاقدين.
وأما الآخرون وقلب التحالف النابض فقد امتطوا صهوة تأجيج الشهوات في طورها العملي وبرنامجها التنفيذي بعد أن ضمنوا الغطاء الشرعي وإن كان شفافا غير ساتر، فلم يعد المسخ الانحلالي الموسوم (بطاش ما طاش) برنامجاً خارجا عن الأخلاق والقيم بل هو برنامج هادف ينتقد أخطاءً اجتماعية بشكل فكاهي جذاب! وبذلك وقع الجيل الجديد على وجه الخصوص ضحية التضليل (المشائخي) والإرجاف العلماني الشهواني فظهر الفساد في البر والبحر وفقد كثير من المسلمين لذة العبودية وروحانية الطاعة حتى في شهر الصيام والقيام بعد أن أصبح شهر الطائشين والطائشات والفضائيين والفضائيات فعذرا رمضان ورحماك يا إلهي!!
رياض بن محمد المسيميري