[center]من قصص الأجداد نحكي لكم
كان لشيخ كبير في السن ثلاث بنيات يحبهن ويخاف عليهن بعد
وفاة والدتهن , وقد يسر الله له الحج , فعهد بهن إلى ( مطوع ) الديرة ,
ليهتم بهن في غيابه , فهو رجل متدين لذلك امنه على بنياته , ولكن
ولكن في قلب الشيخ شيئا ما , فذهب ليستشير حكيم الديرة , الذي قال
له : ( من أجل سلامة بناتك , ضع عند كل واحدة منهن مراية ( مرآه )
وإذا رجعت من الحج وقد أسودت مراية البنت فهي خسرت
شرفها , ومن حفظت شرفها فستحتفظ مرآتها بلمعانها ) .
وفعلا جاء الشيخ بالمرايا الثلاث وعلقها لبناته وذهب للحج مستودعا
إياهن عند المطوع , الذي يتردد عليهن ويقضي طلباتهن , ومع الوقت
لاحظن أن هذا المطوع ساء خلقه , وطمع بهن وبوحدتهن وحاجتهن ,
فبدأ يراودهن , وغلب الكبرى على نفسها فأسودت مرآتها , ثم الوسطى ,
وعندما حان دور الصغيرة وكانت ذكية نبيهة , قالت له وهي بنفسها
تكيد له مؤامرة ( اقعد عند السارية وأنا اتيك اذا تزينت ) وعندما
اتكأ على السارية ربطته بحبل , ثم هوت بالسيف على أنفه فقطعته ,
وضربته بشجرة العوشز الشوكية حتى أدمت جلده , ثم قذفته خارج
البيت وقالت ( ما ذبحتك عشان يشوف ابوي سواتك ) .
هنا قرر المطوع الإنتقام منها , فلما عاد والدها من الحج , تسلل
للبيت واستبدل امرايات البنات السوداء بجديدة , وأخذ واحدة من
المرابات السود ووضعها لهذه البنت الصغرى , فغضب والدها واستاء ,
وسأل المطوع فقال انها فاسدة , ثم استغرب الشيخ من خشم المطوع
المقطوع فسأله وقال : أخذت سيفي المعلق على الجدار وطاح على
خشمي وقطعه !
فصدقه وقال له : خذ هذه البنت وارمها في أي مكان فأنا لا أريدها ,
وأخذ المطوع البنت المظلومة التي لم يستمع والدها لصراخها
وبكائها وتوسلها , وحملها مع عبد أسود وقال له : ارمها بعيدا في
الصحراء وعذبها كما تشاء !
هنا سار بها العبد بعيدا , ثم هم بها , وحاول وهي ترفض وتقاوم
وتضربه بشراسة , فقطع يدها , ثم رجلها , ثم يدها الأخرى ورجلها ,
وهي لم تستسلم , ثم رماها في عرض الصحراء ومضى ,
بقيت المسكينة حتى مر عليها فارس على حصاته , وحملها وهو مندهش
من حالها , وذهب بها لأمه التي عالجتها ورعتها , واكتشفوا يوما بعد يوم
سموها , وحسن خلقها وخُلقها , فهي جميلة وذكية , وقال الرجل لأمه
أريد الزواج بها مادامت تعيش معنا , وتزوجت ومضت السنون وانجبت
ثلاثة أبناء الواحد تلو الآخر , ولكن والدة زوجها العجوز ملت من ذلك ,
فهي تهتم بها وبصغارها , فيداها ورجلاها مقطوعة , فوضعتها يوما على
بعير ومعها أبناؤها وتركتهم في الصحراء !
سارت المسكينة وهي تبكي ولا تدري كيف ستقود فلا بد لها وأطفالها
صغار فسقط الأول ثم الثاني فالثالث , فرمت بنفسها من فوق
البعير , فبرك البعير جالسا على الأرض بجوارها , وقام ابنها الأكبر
ورجع يركض يحمل اخوانه , وحمل أمه وعادوا على البعير ومشوا
حتى دخلوا قرية ..
كانت هذه القرية هي قريتها التي خرجت منها قبل سنين طويلة
منبوذة مع عبد خائن ومن مطوع غشاش , فرأت المطوع يمشي في
القرية بخشمه المقطوع , والعبد مازال يعمل عنده ورأت أباها فخفق
قلبها , وأحسن إليها أحد المحسنين وأسكنها هي وأطفالها في بيت
متواضع , وعلمت ابنها أن هذا جده , فكلما مر الشيخ من هذا البيت
سمع صوتا ينادي ( يبه أنا هنا ! ) فتتبع الصوت ودخل , وبهت لمرئ
ابنته , وحكت له كل القصة , ثم نادت العبد الذي لم يعرفها , وكذلك
المطوع وشهر به في القرية , قاصا على الناس حكايته مع ابنته
المظلومة التي انتصر الله لها ولم شملها بوالدها وأخواتها , ورزقها
البنين البارين .
لكم أرق وأعذب الأمنيات السعيدة